dimanche 6 avril 2014

وزان

قع مدينة وزان العريقة فوق ربوة مخضرة على ارتفاع بنحو 325متر عن سطح البحر في مقدمة سلسلة جبال الريف عند سفح جبل أبي هلال، الذي كان يعرف بجبل الريحان والذي يبلغ علوه حوالي 610 متر عن سطح البحر.
والمدينة تبعد عن الرباط ب170كلم وعن فاس ومكناس ب 134كلم وعن تطوان ب 130 كلم وهي تعتبر بوابة الشمال من الجهة الغربية وهي تتشابه في خصائصها الاجتماعية والثقافية التاريخية بمدينة فاس وزرهون وتازة نظرا لارتباط هذه المدن العريقة بأوليائها ومزاراتها وللتواصل الذي كان سائدا بين أشياخها وعلمائها وسكانها
منذ القديم، وتقدر مساحة المدينة بحوالي 4000 هكتار، أما مناخها فهو قاري حار وجاف في فصل الصيف(40 إلى 45 درجة) وبارد في فصل الشتاء(3 إلى 7درجة) ممطر (650 ملم)معتدل وجميل في فصل الربيع.
إن تاريخ تأسيس مدينة وزان مرتبط بتأسيس الزاوية الوزانية على يد الولي الصالح مولاي عبدالله الشريف وهو شيخ الطريقة الوزانية الذي ولد سنة (1005هـ/1597م) بتازروت بقبيلة بني عروس بجبل العلم وهو شريف الأصل من السلالة الإدريسية ومن هذا القطب الرباني تسلسل أشياخ هذه الزاوية وهو مولاي محمد، ومولاي التهامي، ومولاي الطيب ... وفي عهد هؤلاء لعبت دار الضمانة دورا دينيا واجتماعيا وسياسيا وتطورا ملحوظا في التوسع والعمران، بحيث نما عمران وزان، وبنيت مساجدها، وزينت أضرحتها، وعرفت في عهدهم الازدهار في كل شئ، أهلها في عهد الشيخ سيدي علي بن أحمد أن تنافس مدينتي فاس ومراكش على عاصمة الملك بالمغرب نظرا للدور الذي لعبته في تاريخ المغرب.
فهذا ما هو مؤكد في تأسيس هذه المدينة المباركة إلا أن البعض يذهب أبعد من ذلك رغم غياب المراجع التاريخية للاستناد إليها، فيقول أن المدينة نشأت في العهد الروماني بحكم موقع المنطقة بين مدينتي طنجة ومدينة وليلي، مع العلم أنه ليس هناك أي آثار أودليل تاريخي يثبت ذلك. وهناك من يقول على أن المدينة كانت قائمة في عهد الأمويين، نظرا لما كتبه المؤلف عبد الله بن الطيب الوزاني في مخطوط "الروض المنيف في التعريف بأولاد مولاي عبد الله الشريف" الذي يوضح فيه، أن مأذنة مسجد مولاي عبد الله الشريف بنيت على أصل صومعة بناها موسى بن نصير، مع العلم أن نفس القائد بنى مأذنة أخرى بمنطقة الشرافات قرب مدينة شفشاون.
كما أن هناك من يقول أن المدينة عرفت في العهد المريني نظرا لوجود حي يسمى باسم بني مرين يقال بأنه سكنه بعض من كان في الجيش المريني بقيادة أبي فارس بن أبي عنان المريني الذي كان مارا بالمنطقة لمحاربة بعض المتمردين بقبائل غمارة ومن أجل الراحة عمل هذا الجيش على حفر بئر من أجل الشرب للناس والجياد فسميت هذه العين باسم هذا القائد، ومازالت هذه العين موجودة لحد الآن في الحي الذي يسمى باسمها ألا وهو حي عين أبي فارس.
كما أن أصل تسمية مدينة وزان هو الآخر غير معروف، فهناك من يقول أن الإسم أطلق على المدينة من طرف أحد أباطرة الرومان ولي عهده يحمل أوزينوس ومنها انبثق إسم "وزان"، وهناك من يقول أن الإسم اشتق من كلمة عربية "الوزان" وهذه الكلمة أطلقت على أحد الأشخاص بالمدينة، وهناك من يقول أن أصل كلمة "وزان" منبثق من كلمة "واد الزين" الذي يطلق على نهر صغير بنواحي المدينة، ويبقى الاحتمال الأول هو الأقرب إلى الصواب.
إلا أن المدينة تعرف باسم آخر وهو دار الضمانة وهي تعني دار الأمن والأمان والحصانة ولذا كانت لها قدسية خاصة عصر ازدهارها يستغاث بها ويلجأ إليها عند الحاجة ، ومن دخلها كان آمنا من الأذى خاصة من يكون مضطهدا من طرف الحكام، ولهذه الأسباب وغيرها تسابق الناس إلى التقرب من أشياخ الزاوية والشرفاء لما لهم من القداسة والاحترام عند الناس، مما جعلها أن تكون المدينة العتيقة الوحيدة التي لا تحاط بها أسوار ولا بها أبواب الدخول والخروج.
فالمدينة تتميز مرة أخرى على غير المدن الأخرى سواء القديمة منها أو الحديثة، التي تأسست على أسباب إما اقتصادية أو سياسية أو غيرها، فإن هذه المدينة تأسست على هدى من الله تعالى على يد الولي الواصل والغوث الكامل مولاي عبد الله الشريف، والذي بنى طريقته على القواعد الشرعية والسنن المحمدية والحقائق الربانية، حيث قال رضي الله عنه"طريقنا هذه مبنية على خمس، كما أن الإسلام مبني على خمس وهي: امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، ومخالطة أهل الخير، ومجانبة أهل الشر، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ..
تتلمذ هذا الولي على يد الشيخ سيدي علي بن أحمد الصرصري، أحد أركان الطريقة التباعية الجزولية، ثم وجهه لمدينة تطوان بقصد قراءة العلم ثم منها لمدينة فاس. ولما توفي شيخه الصرصري عام 1027هـ نزل مدشر شقرة من قبيلة مصمودة، وهناك انعزل عن الناس في خلوة حيث مكث أربعة عشر شهرا، حتى فتح الله تعالى عليه بإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبول الخلق، فانتقل إلى مدشر المقال فانتصب لدعوتهم، فلما كثر عليه المريدين والزوار ارتحل لوزان حيث هناك أسس زاويته، وشرع في تلقين طريقته التي هي مبنية على السنة في جميع الأقوال والأفعال، ومجانبة البدع وإطعام الطعام، وكثرة الاستغفار والذكر، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وقد انتشرت هذه الطريقة داخل وخارج المغرب، والذي كان لها إشعاعا في العالم الإسلامي جعل منها قطبا لعدد كبير من الأولياء والمريدين والعلماء والزوار من قصد التبرك بأوليائها والتفقه بمراجعها العلمية والفكرية كذلك بحيث تأسست بها أكبر خزانة للكتب والمخطوطات، وقد عرفت ثراء كبيرا في عهد الولي الصالح سيدي علي بن أحمد بحيث قال عنه سيدي محمد بن محمد المكناسي في مؤلف "الكوكب الأسعد.." (وكان رضي الله عنه مهما ذكر له كتاب عند من احتاج إلى بيعه يأمر من يشتريه ويرضي صاحبه، سيما إذا كان قليل الوجود فيضعف لصاحبه قيمته، وأما إذا ذكرت له خزانة كتب في أي بلد كانت، فتراه لا يزال في طلبها حتى يحصلها على يد مقدمي تلك البلدة أو غيرهم، حتى تحصل عنده من الكتب التي لا يأتي عليها حصر، وقد أتاه بعض ورثة شيخنا الفقيه أبي العباس سيدي أحمد بن محمد البويعقوبي، الشهير بالملوي التازي دارا رحمه الله تعالى ورضي عنه ببعض الكتب ليشتريها منه، فاشتراها منه وأرضاه في القيمة وقال له رضي الله عنه: مهما
احتاج أحد لبيع كتاب من ورثة الفقيه المذكور فلا تتركه ولا يضرنا ما ندفع فيه. لأن
الفقيه المذكور كان من جملة أشياخنا فنحب كتبه تكون عندنا تبركا به، فكنت كل ما احتاجوا لبيعه نشتريه حتى تحصل عنده جلها، وكان يأتيه الطلبة والفقهاء والمدرسون والمتعلمون فيعير لهم ما احتاجوه من فنون العلوم، فبعضهم يرد ما أخد بعد قضاء وطره وبعضهم لا يرد ما أخد. وترك بعد وفاته رضي الله عنه خزانة كتب لم يتركها أحد سمعنا به، مشتملة على فنون العلوم كل فن منه العدد الكثير. وكان رحمه الله أوصى بثلث الخزانة للمسجد الكبير بوازان، فنابه العدد الكثير من كل فن، وما بقي قسم بين ورثته على سبعة وعشرينقسمةكلقسمة نابها العدد الكثير.)
ولهذه المدينة زوايا في جل المدن المغربية وقراه وفي بلدان المغرب العربي وغيره، وكل هذه الزوايا هي عبارة عن مساجد صغرى لأداء الصلوات الخمس، وتلاوة الأوراد الخاصة بمؤسس الزاوية الوزانية مولاي عبد الله الشريف.
كما لعبت دورا هاما في تاريخ المغرب من الناحية الدينية والاجتماعية والعلمية كمثيلتها من الزوايا، وذلك في تلقين تعاليم الدين الحنيف والدفاع عن استقلالية البلاد ودفع أي خطر خارجي كيفما كان نوعه من أجل الحفاظ على الهوية المغربية الإسلامية.
وتنقسم المدينة الآن إلى نوعين من البناء أحدهما تقليدي مكتظ بالسكان يتميز بأزقته الضيقة، والدور الكبيرة الواسعة والتي غالبا ما تجد بداخلها أحواض وأغراس تزين منظر المنازل وهذه الأحياء والدروب تزينها أقواس وتميزها عن الأحياء الحديثة وهو ملتقى العائلات الوزانية العريقة، أما النوع الآخر فيتمثل في البنايات التي شيدت مؤخرا والأراضي المنبسطة ذات الهندسة الحديثة حيث مقر الإدارات ومنطقة الفيلات.
وحسب إحصائيات سنة 2004 فإن عدد سكان مدينة وزان بلغ 57972نسمة وأن كثافة السكان بالمدينة العتيقة جد مرتفع تبلغ حوالي 130فرد في الكلم المربع وهي أكبر كثافة في جهة الغرب الشراردة ، لكن رغم هذه الكثافة فإن التزايد السكاني يبقى غير مرتفع مقارنة مع مدن أخرى، خاصة وأن المدينة كانت تعتبر من العشر المدن المهمة في المغرب، تأسست بها ثالث بلدية بالمغرب عند بداية القرن الماضي،ونظرا لرحيل عدد كبير من الأسر الأصليين عنها عند بداية الاستقلال والذين كانوا جميعا يعملون على تحريك المدينة اقتصاديا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا، فإن المدينة عرفت ركودا في كل هذه المجالات الحيوية .
وتشتهر المدينة الآن بغابات الزيتون والأشجار المختلفة المحيطة بها كما تشتهر بصناعاتها المحلية كنسج الصوف ودبغ الجلود وتعصير الزيتون. وبالنظر إلى طبيعة الأرض فإن هذه المدينة قليلة الإنتاج وذلك لقلة الثروة الطبيعية، فوزان تعتبر سوقا يختص ببيع الفواكه وخاصة الزيتون الذي هو المصدر الأساسي لأداء تموينات القبائل وفي الميدان الاقتصادي فإن الصناعة التقليدية التي كانت تتمثل في صناعة الجلالب والأغطية تعرف فتورا سببه الإنتاج الصناعي الحديث.ويمكن القول أن الصناعة الوحيدة في هذه المدينة تشكلها في معاصر الزيت.
ويمكن القول وإن كثرت الأسباب وتعددت الآراء، فإن علاج تراجع هذه المدينة المباركة في جميع أدوارها السابقة، يرجع لسبب واحد ألا وهو أن المدينة تأسست على تقوى من الله تعالى، ولن تعرف إقلاعا شاملا آخر، إلا برجوع أهلها على ما أسسه الأجداد الأوائل، وبالاعتراف لجميع السكان بذلك والتسليم له، وسيكون خيرا للجميع

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire